تبدو الوجوه و كأنك تعرفها منذ زمن, ربما لأنها هي نفس الوجوه التي عشت معها أيام في نفس هذا المكان, أو ربما لأنها وجوه هؤلاء المصريون الذين يحلمون بحياة أفضل لك و لهم, هناك دائما هذا الشعور الذي ينتابك عندما تنظر في عيني احدهم و يبتسم لك فتبتسم له و يسرى في جسدك هذا الإحساس بالفخر, و كأنك تقول له نعم نحن نصنع التاريخ.
تجولت داخل الميدان و كأن عقارب الساعة تعيد دقاتها مره أخرى, كل خطوه أخطوها أتذكر معها لحظه من لحظات هذا الميدان الذي أمضيت فيه أجمل أيام عمري, من هنا تحررنا, و من هنا بدأنا مصر الجديدة, من هنا عدنا إلى منازلنا طامعين في حياه أفضل و مستقبل أكثر إشراقا, و لكن إلى هنا عدنا مره أخرى لأننا لم نشعر بأن هذا حدث, تحدثت مع بعض المعتصمين محاولا نقل وجة نظرهم, متى سيتركون الميدان, ما هو المطلب الذي إذا تحقق سيشعرون بالرضا عن ثورتهم.
أسامه عيسى, هو شخص نحيل له لحيه خفيفة مهذبه يتحدث بابتسامه دائمة, في الخامسة و العشرون من عمره, اقتحمت خيمته بينما يتناول الطعام مع احد رفاقه, طبق فول صغير يتشاركان فيه, أسامه كان في المعتقل و أفرج عنه أثناء الثورة.
"عايزين حق الشهداء" هكذا لخص أسامه مطلبه الأساسي, محاكمه الفاسدين و قتلة الثوار, و مجلس رئاسي مدني, و طلب أسامه أن تكون المحاكمة دوليه و بها قضاه من مختلف أنحاء العالم ليضمن نزاهة المحاكمة, و طلب على الأقل مليون جنيه لأسرة كل شهيد, علمت لاحقا انه ليس من أقارب أي من الشهداء و لكنهم "ماتو على ايده".
صلاح, كان يجلس وحيدا يتأمل بورقة كارتون في يده مرسوم عليها بشكل رقيق فتاه صغيره, يبدو متعب و يعتريه الإرهاق الشديد, ملابسه غير مهندمة و لحيته و شاربه غير مهذبين, لا يتكلم كثيرا و كانت جلسته وحيدا و طريقة حديثه تقول انه يبقى وحيدا معظم الوقت, سألت صلاح متى سيذهب إلى المنزل, أجابني باختصار عندما نختار رئيسا, رئيسا مدنيا يختاره الشعب فقط.
إيمان, تشعر بالحماس الشديد عندما تتحدث لها, هي متحمسة و بسحر تستطيع نقل هذا الحماس لك, عيناها تلمع و يمكنني أن أرى أحلاما ببلد أفضل فيهما, لخصت إيمان كل شيء في مطلب واحد, مجلس رئاسي مدني يدير المرحلة الانتقالية, و ليتنحى المجلس العسكري جانبا, لا يمكن تحقيق أي مطلب من المطالب إلا إذا تنحى المجس العسكري جانبا و سلم السلطة لمجلس مدني يتكون من أبناء الثورة, أشخاص يؤمنون بها, لذلك تتبنى إيمان مبادرة, تجمع التوقيعات من المعتصمين بالميدان على توحيد المطالب في مطلب المجلس الرئاسي المدني و بالطبع أعطيتها توقيعي.
خالد, شخص هو من الوهلة الأولى مصري, هناك من تشعر و كأن قسمات وجههم هي ملامح بلد كاملة, هكذا هو خالد, مصري يحمل ابتسامة مصري, خالد يريد مجلس رئاسي مدني, هو الطريق الوحيد لتنفيذ باقي المطالب, لأن المجلس العسكري لا ينتوى تنفيذ المطالب بالشكل المطلوب, يسألني عن وجهة نظري لأنه سيدونها أيضا بمدونته, يضحك فيعيد في أذهاني هذا المصري, لا اعرف لماذا شعرت و كأني اعرفه منذ زمن.
مصطفى و محمد, كانا يقفان في منتصف الطريق يتابعان إحدى المنصات, اخبراني أنهم لا يبيتون في الميدان و لكنهم يسكنان قريبا منه و يأتون كل يوم ليتضامنوا مع المعتصمين, سينهون اعتصامهما عندما يحاكم قتلة الثوار, محمد أكد على أن سوء توزيع الأجور يمسه شخصيا و انه يريد موقفا محددا من هذه النقطة, ما الذي ستقدمه الثورة إذا لم ترسخ العدالة الاجتماعية !